بوجود الوجود. هذه المخلوقات التي تشركون بها هل تدعون أو تقيمون الحجة على أنها خلقت شيئا.
أو أفادت في العالم نفعا (أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة) (1) بعد أي كانت أرضا قفراء موحشة و (ما كان لكم) وبطافتكم (أن تنبتوا شجرها) (1) أفليست الحجة قد دلت على أن الخالق العليم هو الله واجب الوجود. واعترفت الناس وأقرت به.
إذن فكيف يشرك المشركون وأنى لهم بوجوب الوجود مع الاشتراك (أإله مع الله بل هم قوم يعدلون) عن الحق إلى الباطل وعن العلم إلى الجهل وعن سداد الحجة إلى وهن الأغاليط (أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي) (2) من الجبال تنفذ منها النار السيارة في الأرض لمنافعها فتكون الرواسي بحكمتها واقية للأرض من الميدان بالزلزال ومخففة لوطأته (وجعل بين البحرين حاجزا) (2) من القدرة يبقى معه العذب على عذوبته والملح على ملوحته والتيار على جريانه والراكد على ركوده.
أفلا يعترف المشركون أن الجاعل لذلك هو الله الواجب الوجود بل أنهم ليعترفون. إذن فكيف يشركون (إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون) (2) ولا يهتدون إلى رشدهم في العلم وأتباع الحجة، تشذ بهم الأوهام وتقلبهم التقاليد على أعقابهم.
ألا، وإن لكل بشر حالات وأوقات تفر بها نفسه إلى الله مولاها فتلتجئ به في حاجاتها وشدائد اضطرارها وكثيرا ما يفرج عنها وهي عارفة بنجاح التجائها وإجابة سؤلها حتى إذا تمتعت بالفرج زمانا نسيت النفوس ذلك التوجه وذلك الالتجاء وتلك الإجابة.