قد رأينا ما يتشبث به أصحابكم من كلمات العهدين وجمعت في رسالة قد ردتها رسالة التوحيد والتثليث المطبوعة في صيدا في مطبعة العرفان سنة 1332 وفندت مزاعمها بتشبثاتها من حيث اللغة العبرانية ومواضيع العهد القديم ودلالته وربما نعترض لذلك وزيادة فيما يأتي بعون الله.
ولكن لا بأس بمراجعة الرسالة المذكورة عاجلا فإنها مبذولة لمن يطلبها.
الدكتور: يا شيخ ما هذه الضوضاء في الغلط الكثير من الإلهيين إذ يشركون ويؤلهون الجماد والحيوان والبشر.
مع أن الذي يعترف بالإله يكون إشراكه وتأليهه للبشر من خرافة الأغاليط: فلماذا كان ذلك؟
الشيخ: إنك ترى الناس إذا أسلسوا قيادهم للهوى، أو للجهل المركب والتقليد الأعمى، أو للتشامخ والكبرياء كيف تذهب بهم هذه الدواهي مذاهبها وتقحمهم في ورطات الإفراط والتفريط فيتعامون عن بديهياتهم ودلائل وجدانهم ومحكمات أساسياتهم فتسهل عليهم لأجل ذلك مصاعب المستحيلات وتستحكم في أذهانهم خيالات الواهيات.
ألا تنظر إلى الماديين لما علقت فكرتهم بالمبادئ المادية كيف ورطهم انهماكهم بها في إنكار الوجود بعد العدم حتى صاروا يغالطون في العبارة ويقولون يستحيل (حدوث الوجود من العدم) لكي يوافقهم الغر الغافل الذي يحسب أنهم يريدون من هذه العبارة أن الوجود لا يكون العدم مادته ولا فاعله.
ألا تراهم كيف كابروا في هذا الانكار وجدانهم ومشاهداتهم التي لا تحصى.. وورطهم في فرض قديم أزلي لا يصفونه بوجوب الوجود حذرا من مطالبتنا لهم بلوازم وجوب الوجود. فأوقعتهم هذه الورطة بين محاذير المستحيلات وهي التسلسل إلى غير النهاية: أو الدور. أو افتراض أزلي لا يمكن تصور أزليته وافتراض الوقوف عليه بالتعليل ولا يؤدي تكلف هذا الافتراض وتحمل مسؤوليته للعلم إلا إلى حيرة الجهل وموقف الحيرة. وها هم قد قلقوا في مزاعم هذا الافتراض الموهوم