عليهم سيطرة خالقية إلهية (فسبحان الله رب العرش عما يصفون).
وإن فرضنا اختصاص كل واحد بقسم من المخلوقات في خلقه وحفظ بقائه وتدبيره شؤونه في أطواره وأدواره لم يستقم للعالم أيضا نظام ولا للمخلوقات بقاء ولا للطبايع والجبلات ناموس. فإنا نرى اشتباك العالم بالعلائق وارتباط الموجودات بالتأثير واقتران الطبايع في النواميس وتشابكها في التوليد وتركب الموجودات في الخلق.
وهذا هو مرمى الاحتجاج في قوله تعالى في الآية الواحد والتسعين من سورة المؤمنون المكية (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق) حسب ما يقتضيه علمه وإرادته وميله وقوته وغضبه وعدم الموحد له مع الآلهة الأخرى في الرأي والعمل كما ذكرنا فينحل نظام الكائنات ويبطل ناموس التكوين (ولعلا بعضهم على بعض) فإنه لا داعي لتنازل العالم للجاهل والقوي للضعيف والمغضب للراضي والراضي للمغضب في كل موارد الاختلاف والاختصاص (سبحان الله) وتقديسا وتنزيها لشأنه العظيم (عما يصفون) بأوهامهم من نسبة الولد والشريك له، فإنه وصف لا يبقى معه للإلهية شرف ولا كمال ولا معنى معقول ولا لوجوب الوجود حقيقة، ولا لنظام العالم بقاء.
ولا تحسب أن من يؤله الجماد والحيوان وأجرام الكواكب يقول بإلاهيتها بما هي جماد لا حياة فيه أو بما هي حيوان ناقص الشعور بل يجعل لها مما وراء الحس شيئا من صفات الإلهية من الحياة والعلم والقدرة والتصرف والتدبير كما هو شأن الوثنيين.
فالقرآن الكريم جاري بحجته هذه بساطة أفهامهم التي يستلفتها من جانب المحسوسات والتجارب في الطباع المحجوبة بنقص الجسمانية والمادية عن الكمال التام الإلهي حيث لا يكون لها تعليم موحد ولا مانع عن الاختلاف.
وبقيام الحجة على أن القرآن الكريم كلام إلهي يتجسم هذا