دلالة المصنوعات على إرادة صانعها وعلمه بالغايات وقصده لها عمانوئيل: لا يا شيخ. هذا لا يشبه ما ذكرناه من مسائل التحول.
إن الانسان إذا رأى ألوفا من هذه القطع الكثيرة جارية على ناموس واحد في الصلاحية للغايات فإنه يجزم بعلمه حسب الفطرة السليمة والوجدان الحر بأنها مصنوعة بالاختيار لأجل غاياتها.
وإن الذي ذكرته من أسباب الشك لا يعده العقلاء إلا سفسطة ساقطة لا تقف أمام علم اليقين. ألا ترى عقلاء العالم ممن رأى هذه القطع أو سمع بها لا يزالون ثابتي الاعتقاد بأنها صنعت اختيارا لأجل غاياتها وإن لم يرها أحد مستعملة في تلك الغايات.
الشيخ: ماذا تقول أيها القس في هذا الذي قاله عمانوئيل؟
القس: إنه تحقيق فائق وإيضاح للحقيقة، وبيان لما عليه البشر في أمورهم، فإن جميع الأفعال والموجودات والمصنوعات حتى كلام المتكلم لا ميزان ولا طريق لليقين في معرفة كون الصادر منها صادرا عن إرادة الموجد وشعوره وحكمته في قصده الغاية في إيجادها إلا هذا الميزان وهذا الطريق الذي قاله عمانوئيل.
وإنه لغريزة فطرية في البشر. فإن الطفل والشاب والكبير في جميع العالم يميزون ببداهة هذا الميزان العادل والطريق الواضح المستقيم.
وإن كل موجود يرتبط وضعه وأجزاءه وتركيبه بالمقاصد والفوائد فإن ما يعرف منه من هذا الارتباط يكون بالبداهة دليلا على أنه صادر بإيجاد موجد مزيد له علم بالفائدة والغاية وقد أوجده بحكمته لأجل تلك الغاية.
وكلما كثر ارتباط الوضع والتركيب والترتيب بالغايات زادت دلالته على علم الموجد وحكمته وضوحا وسناء إلى أن تصل إلى حد لا محل فيه لاختلاج الشك والتشكيك فضلا عن الجحود القبيح الذي لا يكون إلا