مع علمه بأن الشرايع البشرية مهما أخذوا فيها بالتدقيق وجمع آراء العقلاء ورعاية الأكثرية فهي غير ضامنة لدوام الصواب فإن كل أحد يعلم أن علم البشر ومبلغ عقولهم مهما كان فهو محدود قد يكثر فيه الخطأ الكبير.
مع أن بعض البشر غير مبرئين عن مداخلة الأهواء والتعصب في التشريع وغيره. فإذا احتمل الانسان أن له سبيلا ممكنا إلى تشريع مشرع كامل يحيط علمه بجميع الأمور ولا يخفى عاليه شئ وهو مقدس من كل هوى وعصبية فإن عقل الانسان وشوقه إلى صلاحه يلزمانه بالسعي إلى طلب هذا التشريع المقدس ولزومه.
المقدمة الرابعة وأيضا لم يزل الانسان ولا يزال محتاجا إلى تعلم الأخلاق الفاضلة التي يبتهج بسببها بكماله ويفتخر بها ويحل بها المشكلات في حفظ شرفه وحسن اجتماعه مع أبناء جنسه طالبا لدرس هذه الأخلاق ومعرفتها لكي يتحلى بجميلها حينما يستغفل أهواءه الشخصية.
وهو يعلم أن البشر معرض للجهل والأهواء والتعصب والتقليد.
وبمقتضى الطبيعة البشرية لا يوجد فيهم من هو كامل في جميع أخلاقه عارف حق المعرفة بجميع مكارمها لكي يتجمل بها ويجري عليها في مواضع إجرآتها.
وعارف حق المعرفة بجميع الأخلاق الردية لكي يتنزه عنها ويحاذر من وبال آثارها. فإذا علم الانسان أن له سبيلا ممكنا إلى تعلم الأخلاق من كامل مقدس من كل وجه عالم بحقيقة كل شئ فإن العقل وشوق الانسان إلى صلاح نفسه يلزمه بدراسة علم الأخلاق في مدرسة هذا الكامل المقدس ويحتمان على الانسان بتطلب هذه المدرسة ويحذرانه من تلوثه برذيلة التعاليم المخالفة لها.