المقدمة الخامسة وأيضا لم يزل الانسان ولا يزال منذ مبادي شعوره متحرزا من الوقوع في المضرة المحتملة طالبا للاطمئنان بالسلامة منها. حتى إن الطفل يجري أيضا على هذا الناموس كما هو ظاهر، ولا يبقى الانسان مقدما على احتمال المضرة إلا أن يكون له هوى يغلبه أو حاجة لا يعتني العقلاء معها بتلك المضرة أو باحتمالها.
وأما المضرة العظيمة التي لا يوازنها شئ ولا يوازن خوفها فإن الانسان مطبوع على عدم التقحم في خوفها وعلى عدم الاستراحة إلا بالاطمئنان بالسلامة من وبالها وبالأمن منها.
المقدمة السادسة هل ينكر أحد أن أقطار العالم بأسرها قد امتلأت بالدعوة إلى الله جل شأنه وعظمته. وهو واجب الوجود. خالق العالم، ومدبر أمره، والعالم بكل شئ، والغني الحكيم المقدس، شارع الشرايع وقوانين الصلاح، ومعلم الأخلاق الفاضلة، والزاجر عن الرذائل ومواد الفساد والشر.
والمتوعد بحكمته على جحوده ومخالفة أوامره ونواهيه وتعاليمه مهددا بالعذاب الشديد. هل ينكر أحل عموم هذه الدعوة على الأقل فيما بعد زمان موسى (عليه السلام).
كلا بل إن الوثنية من أول أمرها ناظرة إلى هذا الأساس لكنها غلطت بتأليه المخلوق وما يترتب على ذلك من المفاسد. هذا مع أن العقل فضلا عن هذا النداء يجوز ما ذكرناه في المقدمات ابتداء ومن دون نداء بها.
فيرى الانسان نفسه مهددة بفوات المصالح اللازمة وبالوقوع في