الفاضلة) (1)، وكذلك كثرة التعدد ليست مقتضية للرجحان مطلقا، فكم من أمر قبل فيه قول من خالف الأكثر إذا كانت مخالفته بالبرهان. ألا ترى إلى حديث " وإذا قرأ فأنصتوا " الذي رواه أبو موسى، وأبو هريرة، فإنه روى البيهقي عن ابن معين، وأبي حاتم، وأبي داود، والدارقطني، وغيرهم تضعيفه، واختار مسلم، وابن خزيمة تصحيحه، فاختار جمع من المحققين قولهما، وإن كان مخالف للأكثر بناء على كون ما ذكر الكثير في توجيه ضعفه ضعيفا، وكون ما بني عليه التصحيح قويا. فتصحيح أحد أو تضعيفه لا يخل في القبول إن لم يساعده شاهد من رواية، أو عدم قبول محدث محقق.
وفي (الأجوبة الفاضلة) قال النسائي: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه (2)، وفي (الإنصاف في سبب الاختلاف): إن لله طائفة من عباده لا يضرهم من خذلهم، وهم حجة الله في أرضه، وإن قلوا (3).
فثبت أن (الكثرة) ليست من أسباب الحق، وسبق ذكر مراد قولهم (من السواد الأعظم)، وثبت عند المحدثين أيضا أن (الأحناف) خالفوا كثيرا كثيرا كما في رفع اليدين عند الركوع مثلا، فالحق الحقيق بالقبول أن يتبع بالحق المدلل، ولا يغتر بالكثرة وغيرها، وقد ذكر أن اجتماع الكل لا يوجد لا في تفسير آية، ولا على صحة حديث حتى أنهم لم يتفقوا على صحة الصحيحين بالكلية، كما في (عون الباري لحل أدلة البخاري): إن البخاري عرض كتابه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي ابن المدائني فلم يقبلوا أكثر أحاديثه (4).
وعن السيوطي: فكم حديث صحيح على شرط مسلم، وليس بصحيح على شرط البخاري، وكذا عكسه.
وقال الشافعي: ما أعلم شيئا بعد كتاب الله أصح من موطأ (مالك).
وفي عون الباري، قال ابن الهمام الحنفي في التحرير، وفتح القدير: كون ما في الصحيحين راجحا على ما روي برجالهما في غيرهما، أو على ما تحقق فيه من شرطهما تحكم لا يجوز التقليد فيه (5).
وفي تدريب الراوي: استثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته فيهما ما تكلم فيه من أحاديثهما فقال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني، وغيره قال شيخ الإسلام، وعدة ذلك مائتان وعشرون حديثا (6).
قال ابن الصلاح: ومع هذا فقد اشتمل كتاب مسلم على أحاديث اختلفوا في متنها وإسنادها (7).