قاس إبليس. ومذهب بعضهم الكل كما لا يخفى على من أحاط ببعض خصائص أحوالهم (1).
وقال في مقام آخر: ومن يحمل جواز الجمع في الحضر على أدنى حاجة واتخذه مذهبا من غير عذر رأسا، الإمام الحق الصديق الصادق (عليه السلام)، ومذهب واحد منهم مذهب باقيهم كما قال أبوه محمد الباقر (ع)، على ما نقله ابن الهمام في فتح القدير (شرح الهداية) لما سئل في مسألة هل يوافقه فيه علي بن أبي طالب، قال: لا يصدر عن أهل بيته إلا عن رأيه (2).
ولا شك أن قيام الدين، وعزة أمره قام بأهل البيت، وهو مراد النبي (ص)، كما يدل عليه قوله (عليه السلام): " لا يزال الدين قائما ".
ولم يقل لا تزال الدنيا، أو السلطنة، أو السياسة، أو انتظام المملكة، وما قام مقام هذا، ولعل أهل الجماعة توهموا منه هذا بحيث شرطوا اجتماع الناس عليه، وإن كان ممن لا خلاق له في الدين كما لا يخفى من حال يزيد، والوليد، وغيرهما.
وبما قلنا اندفع التعارض الناشئ بين الحديث المذكور، وبين الحديث المشهور على ألسنتهم إن صح: " الخلافة ثلاثون سنة " الحديث، (رواه أحمد، والترمذي وحسنه، ورواه الحاكم، وأبو داود، عن سفينة مرفوعا)، كذا ذكره في المشكاة (3): بأن يراد منه الخلافة النبوية المتصلة بعد النبي لعلي، ثم لذريته الطاهرة بوصية من سلف لمن خلف متصلا إلى القائم المنتظر (عجل الله فرجه ورزقنا شفاعته).
واعترف النووي بتعارض الحديثين ناقلا عن القاضي عياض: قد جاء في الحديث الآخر " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا "، وهذا مخالف لحديث اثني عشر خليفة فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة، والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي، (إنتهى ما في شرح مسلم) (4). فإن انحصرت الخلافة الحقة في ثلاثين سنة يلزم بطلان خلافة ما وراء (الأربعة)، ولم يستقم معنى قيام الدين باثني عشر إلى قيام الساعة. وإن أريدت الخلافة المطلقة فيزيدون على اثني عشر (كما لا يخفى على من له بصيرة)، وهذا من إفادات تاج الأذكياء، رئيس الفضلاء، علامة الدهر، فهامة العصر، مؤيد الشرع القويم، محيي الصراط المستقيم العلامة الشيخ عبد العلي الهروي الطهراني (قدس سره).
ويؤيد ما قلنا في توفيق الحديثين حديث حذيفة الذي (رواه الشيخان) قال: كان الناس يسألون رسول الله (ص) عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن (في المرقاة دخن أي كدورة إلى سواد، والمراد أن لا يكون خيرا صفوا بحتا بل يكون مشوبا بكدرة وظلمة) قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منه وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. (الحديث)،