وفي نيل الأوطار: وقد اختلف في ذلك (أي في إمامة الصلاة في مرض النبي لأبي بكر) اختلافا شديدا كما قال الحافظ، ففي رواية لأبي داود أن رسول الله كان المقدم بين يدي أبي بكر، وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه عن عائشة أنها قالت: من الناس من يقول كان أبو بكر المتقدم بين يدي رسول الله، ومنهم من يقول كان النبي المقدم (إلى أن قال في الفتح) تظافرت الروايات عن عائشة بالجزم بما يدل على أن النبي كان هو الإمام في تلك الصلاة ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف:
فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أنه كان إماما، ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد. والظاهر من رواية الباب المتفق عليها أن النبي (ص) كان إماما، وأبو بكر كان مؤتما. (وتؤيد ذلك رواية مسلم) (1).
وفي الميزان الكبرى للشعراني: ويؤيد الإمام مالكا في ذلك اختلاف الصحابة في صلاة رسول الله خلف أبي بكر، فإن طائفة من الصحابة كانت تقول إن رسول الله، كان إماما (2).
ومن البديهيات أن مطلق الإجماع ليس بدليل الصحة للخلافة، ولا بمستلزم لنفي الضلالة وإلا فقد أجمع أكثر الناس على قتل عثمان، وأجمع بعضهم على قتل علي، وأكثرهم على قتل الحسين وليس بقائل أن عمر في انعقاد بيعة أبي بكر، وأن عبد الرحمن بن عوف في انعقاد بيعة عثمان كانا معصومين صائبين في الفكر، وأن سائر الصحابة المدعين والمنكرين كانوا على الخطأ مع أن كثيرا من كبراء الصحابة وكملائهم وزهادهم كعلي، ومن معه، وسعد، وغيرهم كانوا ساخطين كارهين على ذلك حتى ماتوا، وقد سلم أن خروج علي (ع) عن الإجماع مبطل للإجماع، (كما ذكر من قبل).
وأما استدلالهم بكتاب علي (ع) إلى معاوية أنه: بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر، وعمر، وعثمان على ما بايعوهم عليه، (كما في نهج البلاغة) (3) وما شابه ذلك فليس بسديد لأنه (عليك السلام) قال هذا على زعمهم كما هو دأب الجواب في مقابلة الخصم مسلمات الخصم لا بما عنده (عليه السلام) كما هو ظاهر كالشمس في رائعة النهار من أحاديث أئمتنا كلهم في مواضع كثيرة، وعدم محاربته (عليه السلام) الثلاثة في زمن خلافتهم لأنه (عليه السلام) كره الاختلاف في الدين متى ما أظهر الإسلام، ولم يرتدوا عنه كما روي في روضة الكافي من فروعه: كان أحب إلى أمير المؤمنين أن يقرهم على ما صنعوا، يعني (لا إله إلا الله محمد رسول الله) من أن يرتدوا عن جميع الإسلام، فلذلك كتم على أمره، وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا (4).
وفي خطبة أمير المؤمنين: " وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة بمقام رسول الله ممن اختاره الرسول لمقامه ". وفيه: قلت لأبي جعفر عليه السلام، إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضاء الله عز ذكره، وما كان الله ليفتن أمة محمد من بعده، فقال أبو جعفر: أوما يقرأون كتاب الله؟ أوليس الله يقول " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم "؟! قال:
فقلت له: إنهم يفسرونها على وجه آخر، فقال: أوليس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، ولكن اختلفوا فمنهم من آمن، ومنهم من