من دون الله، وقد فسره النبي الأكرم بأنهم كانوا يحرمون ما أحل الله فيتبعونهم أتباعهم، أو يحللون ما حرم الله عليهم فيقبلونه بلا تردد، ومن المعلوم أن الأحبار والرهبان كانوا يعرفون ما تخيلوه من الحرام والحلال على أنه حكم الله سبحانه، وليس هذا إلا بدعة في الشرع، وتدخلا في أمر الشريعة.
وإذا تدبرت في هذه الآيات وأمثالها يتضح لك أن الآيات تدور حول محور واحد هو البدعة في الدين لا مطلقها، ولا يضر عدم ذكر القيد في اللفظ، إذ هو مفهوم من القرائن القطعية.
ثم إن في قوله: {إلا ابتغاء رضوان الله} وجهين: فمنهم من يجعله استثناء منقطعا، أي ما كتبنا عليهم الرهبانية وإنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، ومنهم من يجعله استثناء متصلا، بمعنى أنه سبحانه كتب عليهم أصل الرهبانية، لأجل كسب رضوان الله، ولكنهم لم يراعوا حقها، فتكون البدعة على الأول نفس الرهبانية وعلى الثاني الخروج عن حدودها.
هذا كله حول الآيات، وأما السنة، ففيها قرائن كثيرة تعطي نفس المفهوم الذي أعطته الآيات، وإليك تلك القرائن.
1 - ففي الرواية الأولى يبتدئ النبي كلامه بقوله: " أصدق الحديث كتاب الله، وأفضل الهدى هدي محمد " وهذا يدل على أن ما اتخذه النبي موضوعا للبحث هو ما يرجع إلى كتاب الله وهدي نبيه، فإذا قال بعده: " وشر الأمور محدثاتها " يكون المراد ما دخل في الشريعة من أمور، وإذا قال: " كل بدعة ضلالة "، أي البدعة فيما يتكلم عنه، ومن المعلوم أنه يتكلم عن دعوته وشريعته، فتحوير كلامه إلى مطلق البدعة، وإن لم يمس الكتاب والسنة، تأويل للظاهر بلا دليل.
2 - ثم إنه (صلى الله عليه وآله) يحكم على كل بدعة بالضلال، ومن المعلوم أنه لا يصدق إلا على البدعة في الشريعة، وأما غيرها فهي على أقسام كما قالوا.