الله فقد عبد غير الله. (1) فليس المراد من العبادة هنا: العبادة المصطلحة، بل استعيرت في المقام لمن يجعل نفسه تحت اختيار الناطق.
وعلى ذلك فيكون المراد من النهي عن دعوة الغير هو الدعوة الخاصة المقترنة بالاعتقاد، أي كون المدعو ذا اختيار تام في التصرف في الكون وقد فوض إليه شأن من شؤونه سبحانه.
فإذا كان طلب الشفاعة مقترنا بهذه العقيدة فإنه يعد عبادة للمشفوع إليه. وإلا فيكون طلب الحاجة كسائر الطلبات من غيره سبحانه الذي لا يشك ذو مسكة في عدم كونه عبادة.
وبعبارة أخرى: طلب الشفاعة إنما يعد عبادة للشفيع إذا كان مقرونا بالاعتقاد بألوهيته وربوبيته، وأنه مالك لمقام الشفاعة أو مفوض إليه، يتصرف فيها كيف يشاء، وأما إذا كان الطلب مقرونا باعتقاد أنه عبد من عباد الله الصالحين يتصرف بإذنه سبحانه للشفاعة، وارتضائه للمشفوع له، فلا يعد عبادة للمدعو، بل يكون وزانه وزان سائر الطلبات من المخلوقين، فلا يعد عبادة بل طلبا محضا، غاية الأمر لو كان المدعو قادرا على المطلوب يكون الدعاء - عقلا - أمرا صحيحا، وإلا فيكون لغوا.
فلو تردى إنسان وسقط في قعر بئر وطلب العون من الواقف عند البئر القادر على نجاته وإنقاذه، يعد الطلب أمرا صحيحا، ولو طلبه من الأحجار المنضودة حول البئر يكون الدعاء والطلب منها لغوا مع كون الدعاء والطلب هذا في الصورتين غير مقترن بشئ من الألوهية والربوبية في حق الواقف عند البئر، ولا الأحجار المنضودة حولها.