الواقف وأغراضه، وأين هو من البناء على أرض مشتراة أو مهداة أو موات، فلا تترتب عليها تلك الحرمة.
دفن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في بيته الرفيع ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام وأنه (صلى الله عليه وآله) نهى عنه نهيا مؤكدا، ولما كان البيت متعلقا بالسيدة عائشة جعلوا في وسطه ساترا، ولما توفي الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبي (صلى الله عليه وآله) تبركا بذاته ومكانه، ولم تسمع عن أي ابن أنثى نعيرة أنه حرام ولا مكروه، وعلى ذلك استمرت سيرة المسلمين في حق العلماء والأولياء، يدفنونهم في البيوت المعدة لذلك، أو يرفعون لمراقدهم قواعد وسقفا بعد الدفن، تكريما لهم وتقديرا لتضحياتهم، ولم يخطر ببال أحد أنه على خلاف الدين والشرع.
وهذا عمل المسلمين وسيرتهم القطعية في جميع الأقطار والأمصار، على مرأى ومسمع الجميع وإن اختلفت نزعاتهم، من بدء الإسلام إلى هذا العصر، من الشيعة والسنة، وأي بلاد من بلاد الإسلام من مصر والعراق أو الحجاز أو سورية، وتونس ومراكش وإيران، وهلم جرا، ليس فيها قبور مشيدة، وضرائح منجدة، وهؤلاء أئمة المذاهب: الشافعي في مصر، وأبو حنيفة في بغداد، ومالك بالمدينة، وتلك قبورهم من عصرهم إلى اليوم شاهقة القباب، شامخة المباني، غير أن الوهابيين لما استولوا على المدينة هدموا قبر مالك.
وهذه القبور قد شيدت وبنيت في الأزمنة التي كانت حافلة بالعلماء وأرباب الفتاوى، وزعماء المذاهب، فما أنكر منهم منكر، وليس هذا رائجا بين المسلمين فقط، بل جرى على هذا جميع عقلاء العالم، بل يعد تعمير قبور الشخصيات من غرائز البشر ومقتضيات الحضارة وشارة الرقي، فكل هذا دليل على الجواز لو لم نقل يفوق ذلك، ولو لم تكن السيرة المسلمة بين المسلمين والعقلاء