إطباق السلف والخلف على جواز السفر إليه جرت سيرة المسلمين على زيارة الرسول - عند الوفود إلى الحج - بالمرور بالمدينة أو رجوعا من مكة إليها، وهذا أمر ملموس وظاهر مشهود من الوافدين من كل فج عميق، وعلى ذلك جرت السيرة في جميع القرون، فلا يمكن لأحد إنكارها، بل هي كاشفة عن استحبابها عند الشرع، وهذا هو الإمام السبكي يذكر سيرة المسلمين في أيام الحج ويقول: إن الناس لم يزالوا في كل عام إذا قضوا الحج يتوجهون إلى زيارته (صلى الله عليه وآله) ومنهم من يفعل ذلك قبل الحج، هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا، وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة، وذلك أمر لا يرتاب فيه، وكلهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه، وإن لم يكن في طريقهم، ويقطعون فيه مسافة بعيدة، وينفقون فيه الأموال، ويبذلون فيه المهج، معتقدين أن ذلك قربة وطاعة. وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على ممر السنين وفيهم العلماء والصلحاء، وغيرهم يستحيل أن يكون خطأ، وكلهم يفعلون ذلك على وجه التقرب به إلى الله عز وجل، ومن تأخر عنه من المسلمين فإنما يتأخر بعجز أو تعويق المقادير، مع تأسفه ووده لو تيسر له، ومن ادعى أن هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطئ.
ومن نازع في ذلك وقال فإنهم يقصدون من سفرهم زيارة المسجد، لا زيارة الرسول الأكرم، فلم ينصف وكابر في أمر بديهي، فإن الناس من حين يعرجون إلى طريق المدينة، لا يخطر ببالهم غير الزيارة من القربات إلا قليلا منهم، وغرضهم الأعظم هو الزيارة، ولو لم يكن ربما لم يسافروا، ولهذا قل القاصدون إلى بيت المقدس مع تيسر إتيانه وليس الصلاة فيه بأقل ثوابا من الصلاة في مسجد النبي (1).