وقال: وقد تنبأ الرسول بما سيصيب سنته الشريفة ويصيب المسلمين فيما بعد على أيدي الكذابين ووضاعي الحديث وأعداء الإسلام، وفي الوقت نفسه أخبر عمن يقف في وجه هذا الخطر العظيم إذ قال: " يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحوير الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد " (1).
روى السيوطي أن عثمان بن عفان لما أراد أن يكتب المصاحف، أراد أن يحذف الواو التي في سورة براءة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} (2).
قال أبي بن كعب: لتلحقنها أو لأضعن سيفي على عاتقي (3).
فإن الخليفة كان يريد أن يقرأ قوله تعالى: {والذين يكنزون} بدون واو العطف، لتكون هذه الجملة وصفا للأحبار واليهود. وهذا مضافا إلى كونه خلاف التنزيل وتغييرا فيما نزل به الوحي كما تلاه الرسول وقرأه على مسامع القوم، فإن حذف الواو كان يعني أن آية حرمة الكنز سوف لا تشمل المسلمين بل ستبقى صفة للأحبار والرهبان. وكان يقصد من هذه إضفاء طابع الشرعية على اكتناز الأموال الطائلة.
وهذا يكشف عن مدى حفظ الأمة لنص الكتاب بهذه الصورة الدقيقة الأمينة، بيد أن حفظ الأمة كان محدودا لا يتجاوز هذا الحد، إذ كان غير شامل لجوانب أخرى من الشريعة وأصولها ومصادرها وينابيعها.