وهذه الشبهة هي التي نقلها الذكر الحكيم عن المشركين، قال: * (وقالوا أئذا ظللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون) *. (1) فهذه الآية تتضمن الشبهة والإجابة الإجمالية عنها، ولكن الجواب التفصيلي ورد في الآية التالية: * (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) *. (2) وهذه الآية تزيل الشبهة بالبيان التالي، وهو:
إن واقع الإنسان ليس هو البدن المتفرقة أجزاؤه، بل واقعه أمر محفوظ، وهو الذي يأخذه ملك الموت ويرجعه إلى ربه، وهو شئ لا يمسه الانحلال ولا التغيير ولا التبدل، فما يتبدل أو يتغير ليس هو واقع الإنسان، وما هو واقع الإنسان فهو في معزل عن التفرق والانحلال، ويتضح ذلك إذا كان معنى التوفي هو الأخذ، يقول سبحانه: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) *. (3) أي أن الله يأخذ الأنفس حين موتها، وفيما نحن فيه من الآية ينسب التوفي وأخذ الروح إلى ملك الموت، ولا تنافي بين النسبتين، لأن ملك الموت جند من جنود الله سبحانه، ومأمور من قبله، والآية بصراحتها تكشف عن أن موت البدن ليس موت الإنسان، بل الإنسان باق بعد الموت يتوفاه ملك الموت ويحتفظ به إلى قيام الساعة.
إلى هنا تبين أن الرؤية الإسلامية حيال خلقة الإنسان هو أنه كائن علوي روحي باق بعد الموت عبر القرون إلى يوم القيامة، وأن الحياة لا تنقطع بالموت،