أ: إنه تبارك وتعالى يبين كيفية خلق الإنسان على الوجه التالي:
ويقول: * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما) * وبعد ما ينتهي إلى تلك النقطة من خلق الإنسان، يغير لحن الكلام، ويقول: * (ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) *. (1) نرى أنه سبحانه يصف هذه المرحلة من خلقة الإنسان بخلق آخر، وكأنه يختلف عما سبق من مراتب الخلقة، وما هذا إلا لأجل وجود اختلاف جوهري بين تلك المرحلة، وما سبقتها من المراحل، وهو أن المراحل الأخر تصور الإنسان بأنه موجود مادي أشبه بموجود حي له حركة طبيعية، ولكنه بعد طيه لتلك المراحل يصل إلى مرحلة تعلق الروح به وفي هذه المرحلة تتبدل المادة إلى خلق آخر، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على امتياز تلك المرحلة عن سائر المراحل وليس هو إلا تجرد روحه ونفسه.
ب: إنه سبحانه يذكر في سورة السجدة شبهة منكري المعاد، وحاصل الشبهة:
إن الموت سبب لتفسخ أعضاء البدن واندثار رميمه في أطراف العالم وأكنافه، وهو يلازم انحلال شخصيته، ومعه كيف يمكن إعادته ولو بجمع أجزاء بدنه المبعثرة في أصقاع العالم، فإن اجتماع الأجزاء المتفرقة لا يعيد شخصيته الأولى، بل يضفي عليه شخصية ثانية مع أنها ليست المسؤولة عن أعمال الإنسان الذي انحلت شخصيته.