وأما أهل العلم وطلاب الحديث ورواته، فلا يخشى منهم ذلك، وكيف يمكن أن يختلط عليهم أمر القرآن بغيره، من الحديث أو التفسير؟ وتشتبه عليهم آياته، مع أن القرآن كان يبذل في كتابته وتنظيمه الجهد الوفير منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبإشرافه، وهو متميز بنصه، ومنحصر بما بين الدفتين.
ولنا هنا ملاحظة هامة، وهي:
إن نسبة خوف الاختلاط بين القرآن والحديث إلى الشارع الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أمر غير مقبول، بل ولا معقول، وذلك:
لأن القرآن الكريم - وهو كتاب الوحي الإلهي - له ميزة بلاغية فائقة، وعبقة قدسية رائقة، يتميز بها عن كلام سائر البشر، حتى كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث إن آيات الكتاب كانت تحاط عند نزولها بأمور خاصة وتعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنزولها عوارض مميزة، كما هو معروف، فكانت قرينة حالية تميز القرآن عن سائر كلامه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد انتشرت آياته منذ الساعة الأولى لنزولها، وكان لكل آية منه عند نزولها صدى بالغ المدى، يتباشر بها المسلمون، ويتهادونها، مما يكشف عن أبعاد الاحتفاء والإكرام الذي يكنونه لهذا النص المقدس.
وقد اختصت كلمات القرآن في الشريعة بأحكام خاصة فلا يجوز أن يمسه إلا المطهرون، ولقراءته الفضل المذكور في الأحاديث، ولحفظه الأثر المشهور.