ولما كان هذا الإخبار لا يحصل لكل الأمة بالضرورة، بل إنما يحصل لبعض من في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يخشى على هؤلاء السامعين - قبل استقراره في القلوب وشيوعه بين الناس - الاشتباه بطول الزمن، وعدم تمام الحفظ للفظه، خصوصا الاشتباه في الآية الواحدة والكلمة الواحدة والحرف الواحد.
حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الحرص على تمييزه جميعه بالكتابة، عن سائر ما يصدر عنه، وتخصيصه بها إلى أن يطمئن إلى كمال تميزه عن غيره، عند سائر الناس، وإلى استقراره في القلوب وشيوعه بين الناس، وإلى أنه إذا أخطأ فرد من الأمة - فخلط بينه وبين غيره - رده سائر الأمة أو القوم الذين يؤمن تواطؤهم على الكذب، إلى الصواب.
ولذلك، لما اطمأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تميزه تمام التميز، أذن في كتابة السنة (1).
والظاهر من السؤال: احتواؤه على محاولة جعل تخصيص القرآن بالكتابة ذريعة ودليلا على أن الامتناع عن كتابة السنة، كان من أجل التخوف من اختلاطهما، وأن إعجازه في بلاغته غير كاف لتميزه عن السنة!
والظاهر من الجواب: موافقته على أصل الفكرة، إلا أنه زاد في الطنبور نغمة أخرى، بحصره درك إعجاز القرآن بعصر خاص،