المناقشات في هذا من وجوه:
الأول: إن القائلين بهذا التوجيه اختلفوا في تقريره، فبينما نسبه بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه هو نهى عن الكتابة لأجل هذا التوجيه بالخصوص، نرى سائرهم يجعل ذلك سببا لترك المسلمين - هم أنفسهم - للتدوين.
وكلامنا مع الأولين: أنهم فرضوا نهيا صادرا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم صاروا إلى توجيهه بما ذكر، مع أنا قد عرفنا في الفصل الأول من هذا القسم: أنه لم يرد حديث مرفوع متصل يصح، ويعتمد عليه كحجة شرعية.
ومع ذلك فلم يرد في ما احتجوا به ذكر لمسألة الحفظ، بل، ولا إشارة إلى ذلك، فليس نسبة ذلك التعليل إلى الشرع إلا رجما بالغيب وإلحادا في كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
فنسبة هذا الوجه إلى الشارع الكريم نسبة ظالمة، غير صحيحة.
وكلامنا مع الآخرين - بعد فرض أن هذا التوجيه ليس واردا من الشرع، وإنما توجيه لرغبة المانعين أنفسهم -:
أنه لا ريب في أن المسلمين كانوا يتمتعون بقدرة فائقة على استظهار النصوص وحفظها في الخواطر، وتلك فضيلة جليلة تميز بها أسلافنا الكرام.
ولا ريب - أيضا - في أن استخدامها في الأمور الشرعية، أفضل وأحسن، وخاصة استظهار القرآن الكريم والسنة الشريفة.