فإن حديث النهي - لو لم ينسخ بل كان باقيا مستمرا إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، لما جاز للأمة أن تلجأ - ولو بعد القرن الأول - إلى التدوين، وبشكل رسمي، وعلني، بل أصبح من الضرورات، واستقر عليه رأي الجمهور، فيما تأخر من العصور والقرون (1).
والأغرب من ذلك دعوى أن النهي ناسخ للإذن (2) قال الشيخ عبد الغني عبد الخالق: لا يصح بحال أن يكون النهي ناسخا للإذن، لأمور ثلاثة:
الأول: ما تقدم لك من أنه لا يصار إلى القول بالنسخ إلا عند العجز عن الجمع بين الدليلين المتعارضين بغيره، وقد أمكن الجمع كما تقدم.
الثاني: أن أحاديث الإذن متأخرة، فحديث أبي شاه عام الفتح، وحديث أبي هريرة متأخر - أيضا - لأن أبا هريرة متأخر الإسلام، وحديثه همه صلى الله عليه وآله وسلم بكتابة كتاب لن تضل الأمة بعده كان في مرض موته صلى الله عليه وآله وسلم.
الثالث: إجماع الأمة القطعي - بعد عصر الصحابة والتابعين - على الإذن وإباحة الكتابة، وعلى أن الإذن متأخر عن النهي...