فهذا صحيح وحق، وقد أجمع المحدثون والفقهاء عليه، لكن:
1 - إن مثل هذا التصرف - أعني تجاوز ألفاظ الحديث، وأداؤه بألفاظ أخرى، مع ضبط المعنى - لا يقدر عليه إلا من كان عارفا بالمعنى بدقة، وعارفا بكل خصائص اللغة التي جاء بها الحديث، وهذا يعني أن لا تفوت الراوي أية نكتة بلاغية، أو سر من أسرار العربية، أو علاقة مجازية، أو كناية خفية إن وجدت في الحديث.
ومثل هذا لا يتسنى إلا للأوحدي، وإلا لمن حضر مشاهد الحديث، وأزمنته، ومنازله، ومواقعه، وعلم بأسبابه، ومقارناته.
2 - إن من الحديث ما يكون لفظه متعبدا به، كما في الأدعية والمناجاة والأذكار الخاصة المروية، فقد استثنى العلماء كل ذلك من جواز النقل بالمعنى، بل أكدوا على لزوم المحافظة على ألفاظه (1).
وكذلك لا بد من استثناء الموارد الخاصة التي ورد الحديث فيها معتمدا على الصيغ الخاصة، كالخطب في المناسبات الحساسة، أو الكلمات الرائعة المحتوية على السجع المعين، والنغمات المعينة، فإن من المتيقن أن الرواة لم يغيروا من ذلك شيئا، بعد أن كانوا هم من أهل اللغة يتذوقون حلاوة الألفاظ الواردة في مثل تلك الأحاديث.
3 - إن إباحة ذلك إنما كان لفترة وجيزة جدا، وأما بعد شيوع التدوين فإن العلماء لم يسمحوا بذلك، وخاصة بعد تغير الألسنة، وابتعاد الناس عن مصادر اللغة الأصيلة، فلم يسمح لمن تأخر عن ذلك