إليها الرحال وتعلق بها الآمال، وأصبحت مهبط رجال العلم ومهوى أفئدتهم وقام فيها بناء صرح الإسلام، وكان الفضل في ذلك لشيخ الطائفة نفسه فقد بث في أعلام حوزته الروح العلمية، وغرس في قلوبهم بذور المعارف الآلهية، فحسروا للعلم عن سواعدهم ووصلوا فيه ليلهم بنهارهم عاكفين على دروسهم خائضين عباب العلم غائصين على أسراره موغلين في استبطان دخائله واستخراج مخبآته، وكيف لا يكونون كذلك وقد شرح الله للعلم والعمل صدورهم، وصقل أذهانهم وأرهف طباعهم فحموا وطيس العلم، وبان فضل النجف على ما سواها من المعاهد العلمية، وخلفوا الذكر الجميل على مر الدهور والأعصار، أعلى الله في الفردوس درجاتهم.
تلك هي جامعة النجف العظمى التي شيد شيخ الطائفة ركنها الأساسي ووضع حجرها الأول، وقد تخرج منها خلال هذه القرون المتطاولة آلاف مؤلفة من أساطين الدين وأعاظم الفقهاء وكبار الفلاسفة ونوابغ المتكلمين، وأفاضل المفسرين وأجلاء اللغويين، وغيرهم ممن خبروا العلوم الإسلامية بأنواعها وبرعوا فيها أيما براعة، وليس أدل على ذلك من آثارهم المهمة التي هي في طليعة التراث الإسلامية ولم تزل زاهية حتى هذا اليوم، يرتحل إليها رواد العلوم والمعارف من سائر الأقطار والقارات فيرتوون من مناهلها العذبة وعيونها الصافية (والمنهل العذب كثير الزحام).
وقد استدل بعض الكتاب المحدثين على وجود الجامعة العلمية في النجف قبل هجرة شيخ الطائفة إليها، وذلك اعتمادا على استجازة الشيخ أبي العباس النجاشي من الشيخ أبي عبد الله الخمري فقد قال في كتاب رجاله المطبوع ص 50 عن كتاب " عمل السلطان " للبوشنجي ما لفظه: أجازنا بروايته أبو عبد الله الخمري الشيخ الصالح في مشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام سنة أربعمائة.
وهذا لا يكفي للتدليل فالنجف مشهد يقصد للزيارة فربما تلاقيا في النجف