بسم الله الرحمن الرحيم في كل أفق من آفاق العالم الإسلامي أسماء رجال معدودين امتازوا بمواهب وعبقريات رفعتهم إلى الأوج الأعلى من آفاق العلم والمعرفة، وسجلت أسماءهم في قائمة عظماء التأريخ، وجهابذة العلم، وأصبحوا نجوما لامعة، ومصابيح ساطعة تتلألأ في كبد السماء كتلألؤ الجوزاء، وتضئ لأهل هذه الدنيا فتستفيد من نورها المجموعة بالبشرية، كل حسب مكانته وعلى مقداره، وبذلك بنوا لأنفسهم مجدا لا يطرأ عليه التلاشي والنسيان وخلد ذكرهم على مر السنين وتعاقب الزمان.
وثمة رجال ارتسمت أسماؤهم في كل أفق من تلك الآفاق، وهم قليلون للغاية، شذت بهم طبيعة هذا الكون فكان لهم من نبوغهم وعظمتهم ما جعلهم أفذاذا في دنيا الإسلام، وشواذ لا يمكن أن يجعلوا مقياسا لغيرهم، أو ميزانا توزن به مقادير الرجال، إذ لا يمكنها أن تنال مراتبهم وإن اشرأبت إليها أعناقهم وحدثتهم بها نفوسهم.
ومن تلك القلة شيخنا وشيخ الكل في الكل، علامة الآفاق شيخ الطائفة الطوسي أعلى الله درجاته وأجزل أجره، فقد شاءت إرادة الله العليا أن تبارك في علمه وقلمه فتخرج منهما للناس نتاجا من أفضل النتاج، فيه كل ما يدل على غزارة العلم وسعة الاطلاع، وقد مازه الله تعالى بصفات بارزة، وخصه بعناية فائقة، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا.