محمد بن نعمان الشهير بالشيخ المفيد عطر الله مثواه، فلازمه ملازمة الظل، وعكف على الاستفادة منه، وأدرك شيخه الحسين بن عبيد الله ابن الغضائري المتوفى سنة 411 ه، وشارك النجاشي في جملة من مشايخه، وبقي على اتصاله بشيخه حتى اختار الله للأستاذ دار لقائه في سنة 413 ه، فانتقلت زعامة الدين ورياسة المذهب إلى علامة تلاميذه علم الهدى السيد المرتضى طاب رمسه، فانحاز شيخ الطائفة إليه، ولازم الحضور تحت منبره، وعني به المرتضى، وبالغ في توجيهه وتلقينه، واهتم له أكثر من سائر تلاميذه، وعين له في كل شهر اثني عشر دينارا، وبقي ملازما له طيلة ثلاث وعشرين سنة، وحتى توفي السيد المعظم لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436 ه فاستقل شيخ الطائفة بالإمامة، وظهر على منصة الزعامة، وأصبح علما للشيعة ومنارا للشريعة، وكانت داره في الكرخ مأوى الأمة، ومقصد الوفاد، يأتونها لحل المشاكل وإيضاح المسائل وقد تقاطر إليه العلماء والفضلاء للتلمذة عليه والحضور تحت منبره وقصدوه من كل بلد ومكان، وبلغت عدة تلاميذه ثلاثمائة من مجتهدي الشيعة، ومن العامة ما لا يحصى كثرة.
وقد اعترف كل فرد من هؤلاء بعظمته ونبوغه، وكبر شخصيته وتقدمه على من سواه، وبلغ الأمر من الاعتناء به والاكبار له أن جعل له خليفة الوقت القائم بأمر الله - عبد الله - ابن القادر بالله - أحمد - كرسي الكلام والإفادة، وقد كان لهذا الكرسي يومذاك عظمة وقدر فوق الوصف، إذ لم يسمحوا به إلا لمن برز في علومه، وتفوق على أقرانه، ولم يكن في بغداد يومذاك من يفوقه قدرا أو يفضل عليه علما فكان هو المتعين لذلك الشرف.
هجرته إلى النجف الأشرف:
لم يفتأ شيخ الطائفة إمام عصره وعزيز مصره، حتى ثارت القلاقل وحدثت الفتن بين الشيعة والسنة، ولم تزل تنجم وتخبو بين الفينة والأخرى، حتى اتسع نطاقها بأمر طغرل بيك أول ملوك السلجوقية، فإنه ورد بغداد في سنة 447 ه،