فلا ريب أن اللفظين في الشعر وإن كانا بمعنى الرؤية ولكن نظر الفقير إلى الغني ليس بمعنى النظر بالعين بل الصبر والانتظار حتى يعينه.
قال سبحانه: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * (آل عمران: 77) والمراد من قوله: * (لا ينظر إليهم) * هو طردهم عن ساحته وعدم شمول رحمته لهم وعدم تعطفه عليهم، لا عدم مشاهدته إياهم إذ - مضافا إلى استلزام ذلك التفسير الكفر لأنه سبحانه يرى الجميع * (وهو يدرك الأبصار) * - أن رؤيته وعدمها ليس أمرا مطلوبا لهم حتى يهددوا بعدم نظره سبحانه إليهم، بل الذي ينفعهم هو وصول رحمته إليهم، والذي يصح تهديدهم به هو عدم شمول لطفه لهم فيكون المراد عدم تعطفه إليهم.
وعلى ضوء ذلك فنظر العالي إلى الداني بمعنى العطف والحنان، ونظر السافل إلى العالي إنما هو انتظار الرحمة.
والحاصل أن النظر إذا أسند إلى العيون يكون المعنى الاستعمالي والجدي هو الرؤية، وإذا أسند إلى الشخص كالفقير أو إلى الوجوه يراد به الرؤية استعمالا والانتظار جدا.
إن لصاحب الكشاف كلمة جيدة يقول بهذا الصدد: " يقال أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي " يريد معنى التوقع والرجاء، ومن هذا القبيل قوله:
وإذا نظرت إليك من ملك * والبحر دونك زدتني نعما وقال: سمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس