دراسة دليل القائل بالتحريم:
ليس للقائل بالتحريم إلا دليل واحد وهو ما عرفت من رواية أبي هريرة وقد نقلت بصور مختلفة قد تعرفت عليها، والمناسب لما يرومه المستدل الصورة التالية:
" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى " فتحليل الحديث يتوقف على تعيين المستثنى منه وهو لا يخلو من صورتين:
1 - لا تشد إلى مسجد من المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد...
2 - لا تشد إلى مكان من الأمكنة إلا إلى ثلاثة مساجد...
فلو كانت الأولى كما هو الظاهر، كان معنى الحديث عدم شد الرحال إلى أي مسجد من المساجد سوى المساجد الثلاثة ولا يعني عدم شد الرحال إلى أي مكان من الأمكنة إذا لم يكن المقصود مسجدا، فالحديث يكون غير متعرض لشد الرحال لزيارة الأنبياء والأئمة الطاهرين والصالحين لأن موضوع الحديث إثباتا ونفيا هو المساجد، وأما غير ذلك فليس داخلا فيه، فالاستدلال به على تحريم شد الرحال إلى غير المساجد، باطل.
وأما الصورة الثانية: فلا يمكن الأخذ بها إذ يلزمها كون جميع السفرات محرمة سواء كان السفر لأجل زيارة المسجد أو غيره من الأمكنة، وهذا لا يلتزم به أحد من الفقهاء.
ثم إن النهي عن شد الرحال إلى أي مسجد غير المساجد الثلاثة ليس نهيا تحريميا، وإنما هو إرشاد إلى عدم الجدوى في سفر كهذا، وذلك لأن المساجد الأخرى لا تختلف من حيث الفضيلة، فالمساجد الجامعة كلها متساوية في الفضيلة، فمن العبث ترك الصلاة في جامع هذا البلد والسفر إلى جامع بلد آخر