الوجه الثالث: عمل الصحابة وإجماعهم وإجماع الفقهاء:
قال ابن قدامة:
1 - عن أنس قال: كنا - أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - نسافر فيتم بعضنا ويقصر بعضنا ويصوم بعضنا ويفطر بعضنا، فلا يعيب أحد على أحد، ولأن ذلك إجماع الصحابة - رحمة الله عليهم - بدليل أن فيهم من كان يتم الصلاة ولم ينكر الباقون عليه بدليل حديث أنس (1).
يلاحظ عليه: أولا: أنه ليس المنقول عن أنس في صحيح مسلم أنه يتم بعضنا ويقصر بعضنا، نعم جاء فيه فلم يعب الصائم على المفطر و " المفطر على الصائم " (2) كما لم يوجد في غيره من الصحاح والسنن والمسانيد حسب، فهنا فالظاهر أن الإتمام والقصر زيدا في الحديث من قبل القائلين بالرخصة.
وثانيا: سلمنا صحة الزيادة لكن ليس فيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اطلع على فعلهم فأقرهم عليه حتى يكون التقرير حجة علينا، وليس عمل الصحابي بمجرده حجة ما لم يعلم كونه مستندا إلى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمله.
وثالثا: أن إجماع الصحابة المنقول هنا يعارضه عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإجماع الصحابة الثابت بالتواتر وأن الخلاف - الذي حصل بينهم - حدث زمن الخليفة الثالث، فلم يثبت الإجماع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل أن جمعا من الصحابة نقدوا عمل عثمان، وأما ما نقل من إجماعهم زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلى فرض وقوعه ليس بحجة.
قال الشوكاني: " وقد تقرر أن إجماع الصحابة في عصره ليس بحجة والخلاف