والحاصل أن ما أثير من الإشكال في المقام ناشئ من عدم الإمعان فيما ذكرنا من الأمرين فتارة حسبوا أن المراد من التأبيد هو الاستحالة فأوردوا بأنه ربما يكون المدخول أمرا ممكنا كما في قوله * (فقل لن تخرجوا معي أبدا) * (التوبة - 83) وأخرى حسبوا أن التأبيد يلازم النفي والمعدوم المطلق فناقشوا بالآيات الماضية التي لم يكن النفي فيها نفيا مطلقا، ولو أنهم وقفوا على ما ذكرنا من الأمرين لسكتوا عن هذه الاعتراضات.
وبما أنه سبحانه لم يتخذ لنفي رؤيته ظرفا خاصا، يكون مدلوله أنه لا تتحقق الرؤية أبدا لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.
والحاصل أن الآية صريحة في عدم احتمال الطبيعة البشرية لذلك الأمر الجلل ولذلك أمره أن ينظر إلى الجبل عند تجليه، فلما اندك الجبل خر موسى مغشيا عليه من الذعر، ولو كان عدم الرؤية مختصا بالحياة الدنيا لما احتاج إلى هذا التفصيل بل كان في وسعه سبحانه أن يقول لا تراني في الدنيا ولكن تراني في الآخرة فاصبر حتى يأتيك وقته، والإنسان مهما بلغ كمالا في الآخرة فهو لا يخرج عن طبيعته التي خلق عليها وقد بين سبحانه أنه خلق ضعيفا.
2 - تعليق الرؤية على أمر غير واقع:
علق سبحانه الرؤية على استقرار الجبل وبقائه على الحالة التي هو عليها عند التجلي. وعدم تحوله إلى ذرات ترابية صغار بعده، والمفروض أنه لم يبق على حالته السابقة وبطلت هويته وصار ترابا مدكوكا فإذا انتفى المعلق عليه (بقاء الجبل على حالته) ينتفي المعلق، وهذا النوع من الكلام، طريقه معروفة، حيث يعلقون وجود الشئ بما يعلم أنه لا يكون، والله سبحانه بما أنه يعلم أن الجبل لا يستقر في مكانه - بعد التجلي - فيعلق الرؤية على استقراره، حتى يستدل بانتفائه