ونفاتها ولو أتينا بها لطال بنا المقام، فإن المثبتين يركزون على أن الناظرة بمعنى الرؤية كما أن نفاتها يفسرونها بمعنى الانتظار، مع أن تسليم كونه بمعنى الرؤية غير مؤثر في إثبات مدعيها كما سيظهر. والحق عدم دلالتها على جواز رؤية الله بتاتا وذلك لأمرين.
الأول: أنه سبحانه استخدم كلمة * (وجوه) * لا " عيون " فقسم الوجوه إلى قسمين " وجوه ناضرة " و " وجوه باسرة " ونسب النظر إلى الوجوه لا العيون، فلو كان المراد هو الرؤية لكان المتعين استخدام العيون بدل الوجوه. والعجب أن المستدل غفل عن هذه النكتة التي تحدد معنى الآية وتخرجه عن الإبهام والتردد بين المعنيين وأنت لا تجد في الأدب العربي القديم ولا الحديث موردا، نسب فيه النظر إلى الوجوه وأريدت منه الرؤية بالعيون والأبصار بل كلما أريدت منه الرؤية، نسب إليهما.
الثاني: لا نشك أن " الناظرة " قوله: * (إلى ربها ناظرة) * بمعنى الرائية ونحن نوافق المثبتين بأن النظر إذا استعمل مع " إلى " يكون بمعنى الرؤية، لكن الذي يجب أن نلفت إليه نظر المستدل هو أنه ربما يكون المعنى اللغوي ذريعة لتفهيم معنى كنائي يكون هو المقصود بالأصالة لا المدلول اللغوي، فلو قلنا: زيد كثير الرماد، فلا شك أنه مستعمل في معناه اللغوي ولكن كثرة الرماد مراد استعمالي لا جدي، وإنما المراد الجدي ما اتخذ المعنى الاستعمالي وسيلة لإفهامه للمخاطب وهو جوده وسخاؤه وكثرة إطعامه، فإذا قال الرجل: زيد كثير الرماد، فليس علينا أن نصف القائل بأنه أخبرنا عن كثرة الرماد في بيت زيد الذي يعد أوساخا ملوثة لبيته، فيكون قد ذمه مكان مدحه، بل يجب علينا أن نصفه بأنه أخبر عن جوده وسخائه، والعبرة في النسبة بالمعنى الجدي لا الاستعمالي وهذه هي القاعدة الكلية في تفسير كلمات الفصحاء والبلغاء.
هلم معي نستوضح مفاد الآية وأنه ماذا أريد منه استعمالا، وماذا أريد منه جديا؟ فلا يعلم ذلك إلا برفع إبهام الآية بمقابلها، نقول: إن هناك آيات ست