باختيار ما نراه موافقا لمصلحتنا، ومحققا لخيرنا بحسب العصور والبيئات، فإن التصرف فيه بالتنظيم أو التغير، لا يكون من الابتداع الذي يؤثر على تدين الإنسان وعلاقته بربه، بل أن الابتداع فيه من مقتضيات التطور الزمني الذي لا يسمح بالوقوف عند حد الموروث من وسائل الحياة عن الآباء والأجداد (1).
الإسلام بين التزمت والتحلل من القيود الشرعية:
إن بين المسلمين من يريد حصر الأمور السائغة الموجودة في عصر الرسول الأكرم حتى يعد نخل الدقيق بدعة بحجة أنه لم يكن في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) أي منخل (2). وبين من يريد التحلل من كل قيد ديني في مجال العمل، فلا يلتزم في حياته بشئ مما جاء به الإسلام.
فالإسلام لا هذا ولا ذاك، فهو يرفض التزمت إذا كان العمل غير خارج عن الأطر العامة الواردة في الكتاب والسنة، كما يرفض التحلل من كل قيد، ف آفة الدين ليست منحصرة بالثاني بل آفة الأول ليست بأقل منه.
فإن حصر الجائز من الأمور العادية بما كان رائجا في عصر النبي أو عصر الصحابة، كبت للأدمغة وتقييد للحركة الحضارية عن التقدم نحو الكمال.
وإظهار للإسلام بأنه غير قابل للتطبيق في جميع الأعصار المتقدمة فضلا عن عصر الذرة.
من الأسباب التي أوجبت خلود الدين الإسلامي، وأعطته الصلاحية للبقاء مع اختلاف الظروف وتعاقب الأجيال كونه دينا جامعا بين الدعوة إلى المادة والدعوة إلى الروح، ودينا وسطا بين المادية البحتة والروحية المحضة، فقد آلف