كان الخليفة: يريد أن يقرأ قوله تعالى: * (والذين يكنزون) * بدون واو العطف لتكون هذه الجملة وصفا للأحبار واليهود. وهذا مضافا إلى كونه خلاف التنزيل وتغييرا في ما نزل به الوحي كما تلاه الرسول وقرأه على مسامع القوم، فإن حذف الواو كان يعني أن آية حرمة الكنز لا ترتبط بالمسلمين بل هي صفة للأحبار والرهبان وكان يقصد من هذه إضفاء طابع الشرعية على اكتناز الأموال الطائلة.
وهذا يكشف عن مدى حفظ الأمة لنص الكتاب بهذه الصورة الدقيقة الأمينة، بيد أن حفظ الأمة كان محدودا لا يتجاوز هذا الحد، إذ كان غير شامل لجوانب أخرى من الشريعة وأصولها ومصادرها وينابيعها.
الثالثة: محاولة كتابة الصحيفة:
هذا هو الخط الدفاعي الثالث الذي حاول الرسول وضعه لمكافحة دبيب البدعة، وهنا نقتبس ما ذكره الإمام الشاطبي حرفيا، يقول:
لقد كان عليه الصلاة والسلام حريصا على ألفتنا وهدايتنا، حتى ثبت من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: لما حضر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: " هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده " فقال عمر: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غلبه الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتابا لن تضلوا بعده، وفيهم من يقول كما قال عمر، فلما كثر اللغط والاختلاف عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " قوموا عني " فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب اختلافهم ولغطهم (1).