طلب موسى لما كان نتيجة ضغط من قومه، دون طلب نوح، صار الاختلاف في مبدأ الطلبين، سببا لاختلاف الخطابين فخوطب نوح بخطاب عتابي دون موسى (عليهما السلام) وإن كان العتاب على ترك الأولى.
الآية الثانية: الحسنى والزيادة:
* (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة وأولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) * (يونس - 26).
فقد فسرت الحسنى بالجنة، و " الزيادة " بالنظر إلى وجه الله الكريم، روى مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي قال: إذا أدخل أهل الجنة قال الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من التنظر إلى ربهم عز وجل، وفي رواية ثم تلى * (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) * (1).
إن القرآن الكريم كتاب عربي مبين وهو تبيان لكل شئ كما هو مقتضى قوله سبحانه: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) * (النحل - 89) وحاشا أن يكون تبيانا لكل شئ ولا يكون تبيانا لنفسه، وسياق الآية يدل على أن المراد من الزيادة هو الزيادة على الاستحاق فقد جعل سبحانه الجزاء حقا للعامل - لكن بفضله وكرمه - وقال: * (لهم أجرهم عند ربهم) * (آل عمران - 199)، ثم جعل المضاعف منه حقا للعامل أيضا وهذا أيضا بكرمه وفضله وقال: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * (الأنعام - 160) وبالنظر إلى هذه الآيات يتجلى مفاد قوله سبحانه: * (للذين أحسنوا الحسنى " استحقاقا للجزاء والمثوبة الحسنى " وزيادة " على قدر الاستحقاق ") *، قال سبحانه: * (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) * (النساء - 173).