كالقدرة في اليد مثلا ولما رأوا أن ذلك يلازم التجسيم التجأوا إلى قولهم: يد بلا كيف، ولكنهم ما دروا أن الكيفية في اليد والوجه وغيرهما مقومة لمفاهيمها فنفي الكيفية يساوق نفي المعنى اللغوي فكيف يمكن الجمع بين المعنى اللغوي والحمل عليه بلا كيف، ومنه يعلم حال الرؤية بالبصر والعين فإن التقابل، مقوم لمفهومها فإثباتها بلا كيف، يلازم نفي أصل الرؤية وقد عرفت أن الكلام في النظر بالبصر والرؤية بالعين، لا الرؤية بالقلب أو في النوم - وقد أوضحنا حال الصفات الخبرية في بحوثنا الكلامية (1).
2 - اختلاف الأحكام باختلاف الظروف:
إن بعض المثقفين من الجدد لما وجدوا في بواطن عقولهم أن الرؤية لا تنفك عن الجهة، التجأوا إلى القول بأن كل شئ في الآخرة غيره في الدنيا، ولعل الرؤية تتحقق في الآخرة بلا هذا اللازم السلبي.
يلاحظ عليه: بأنه رجم بالغيب، فإن أرادوا من المغايرة بأن الآخرة ظرف للتكامل وأن الأشياء توجد في الآخرة بأكمل الوجود وأمثله، فهذا لا مناقشة فيه، يقول سبحانه: * (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأوتوا به متشابها) * (البقرة - 25)، إن أرادوا أن القضايا العقلية البديهية تتبدل في الآخرة إلى نقيضها فهذا يوجب انهيار النظم الكلامية والفلسفية والأساليب العلمية التي يعتمد عليها المفكرون من أتباع الشرائع وغيرهم، إذ معنى ذلك أن النتائج المثبتة في جدول الضرب سوف تتبدل في الآخرة إلى ما يباينها فتكون النتيجة ضرب 2 * 2 = 5 أو 10 أو... وإن قولنا: " كل ممكن يحتاج إلى علة " يتبدل في الآخرة إلى أن الممكن غني عن العلة، فعند ذلك لا يستقر حجر على حجر وتنهار جميع المناهج الفكرية، ويصير الإنسان سوفسطائيا مائة بالمائة.