وغير خفي على القارئ النابه أن كيفية التعليم في عصر الرسالة تختلف كثيرا بما في عصرنا، فكلا العملين يعدان تعليما وتجسيدا لكلام الرسول، يقصد به رضا الله سبحانه وتقربه، وليس للمتزمت رفض الأساليب الحادثة لتعلم الكتاب والسنة.
والحق أن هذا الموقف موضع زلة لأكثر من يصف عمل المسلمين في بعض الموارد بالبدعة بحجة عدم وجود دليل خاص عليه، فقد ضلوا ولم يميزوا بين الدليل الخاص والدليل العام. وخصوا الدليل بالأول مع أن الكتاب والسنة مليئان بالضوابط والقوانين العامة، وإليك بعض الأمثلة:
أ - قال سبحانه: * (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (النساء - 141) فالآية تنفي أي سبيل للكافر على المؤمن، فمن المعلوم أن السبل مختلفة حسب تطوير الحضارات وكثرة المواصلات وتطور العلاقات بين الناس، ففي عصر الرسالة كان السبيل السائد هو تسلط الفرد الكافر على المسلم ككون العبد المسلم رقا للكافر أو تمليك المصحف منه وما قاربهما، وأما في عصرنا هذا، فحدث عن السبيل ولا حرج، فأين هو من تدخل الكفار في مصير المسلمين حكومة وشعبا حتى صار رؤساء الحكومات الإسلامية أسرى بيد الاستكبار العالمي.
ب - يقول سبحانه: * (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * (المائدة - 2) فإن التعاون الموجود في العصور السابقة كان محدودا في إطار ضيق، وأكثر ما كان يتحقق هو اشتراك جمع من مدينة واحدة أو من قبيلة معينة على أن يتعاونوا فيما بينهم، وأين هذا من التعاون السائد في عصرنا هذا كتعاون دول المنطقة على إجراء مشروع مفيد للمنطقة، أو تعاونهم على ضرب حكومة إسلامية فتية خوفا على كراسيهم ومناصبهم.
ولو أن المتزمتين درسوا هذا البحث دراسة عميقة لربما خمدت ثورتهم ضد المسلمين الذين يقومون بأعمال الخير امتثالا لحكم الدين، ولكن بحجة أنها