2 - المطلوب في العقائد هو الإذعان، وفي الأحكام العمل:
وهناك أمر ثان نلفت إليه نظر القارئ وهو الفرق الواضح بين العقيدة والأحكام الشرعية العملية فإن المطلوب في الأولى، هو الاعتقاد الجازم ومن المعلوم أن الإذعان بشئ رهن مقدمات بديهية أو نظرية منتهية إليها حتى يستتبع اليقين والإذعان، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية فإن المطلوب فيها هو العمل وتطبيقها في مجالات الحياة، من دون التوقف على الإذعان بقطعيتها وصدورها عن الشارع. وهذا الفرق بين العقائد والأحكام يجرنا إلى التأكد من صحة الدليل وإتقانه أو ضعفه وبطلانه في مجال العقائد أكثر من الأحكام، ولذلك نرى أئمة الفقه يعملون بأخبار الآحاد في مجال الأحكام والفروع العملية ولا يشترطون إفادتها القطع واليقين، وهذا بخلاف العقائد فبما أن المطلوب فيها هو عقد القلب ورسوخ الفكرة في القلب والنفس، يرفضون خبر الآحاد في ذلك المجال ويشترطون تواتر النص أو استفاضته إلى حد يورث العلم.
3 - خضوعها للبرهان العقلي:
وهناك أمر ثالث وراء هذين الأمرين وهو أنه لا يمكن لباحث إسلامي يريد تبيين العقائد الإسلامية بأسلوب علمي رائع، أن يرفض العقل بتاتا ويقتنع بالنصوص وذلك لأن الأخذ بالنص رهن ثبوت أصول موضوعية قبله، عليها تبتنى نبوة الرسول الأكرم وحجية قوله، فما لم يثبت للعالم صانع حكيم باعث للأنبياء والرسل لهداية الناس مدعمهم بالمعجزات والبينات لا تثبت نبوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وحجية كلامه في مجال العقيدة، وكيف لنا أن نعتمد في مجال العقائد على النصوص الشرعية حتى في إثبات الصانع ونبوة رسوله فإنه مستلزم للدور المحال.