فقد بلغ الخليل النهاية في مجال المعرفة على وجه رأى ملكوت السماوات والأرض فأراه سبحانه ملكوتهما، أي كونهما قائمين بالله سبحانه وما ذلك إلا ليكون موقنا ومذعنا لأصول الوحيد، وما أراه ملكوت السماوات والأرض إلا بإلهامه البرهان الدامغ الذي أثبت به بطلان ربوبية الكوكب والقمر والشمس وانتهى في آخره إلى أنه لا إله إلا هو، وقال بعد ذكر البراهين * (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) * (الأنعام / 79).
فهذه الآيات ونظائرها تكشف عن أصل موضوعي في الشريعة الإسلامية، وهو أن الغاية من طرح الأصول العقائدية هي الوصول إلى الإذعان واليقين لا التعبد بها دون يقين، وهذا يفرض علينا أن نفتح مسامعنا لنداء العقل ودعوته خصوصا في الأصول الأولية التي تبنى عليها نبوة النبي الأكرم، فمن حاول إعدام العقل ورفضه عن ساحة البحث، والاكتفاء بالنص فقد لعب على حبل خاسر إذ أن بديهة العقل تحكم بأن الاكتفاء بالسمع في عامة الأصول مستلزم للدور وتوقف صحة الدليل على ثبوت المدعى وبالعكس.
إن رفض العقل في مجال البرهنة على العقيدة عند بعض الفرق صار سببا لتغلغل العقائد الخرافية بين لفيف من الطوائف الإسلامية، وفي ظل هذا الأصل أي إبعاد العقل عن الساحة دخلت أخبار التجسيم والتشبيه في الصحاح والمسانيد عن طريق مستسلمة الأحبار والرهبان الذين تظاهروا بالإسلام وأبطنوا اليهودية والنصرانية وخدعوا عقول المسلمين، فحشروا عقائدهم الخرافية بين المحدثين والسذج من الناس اغترارا بإسلامهم وصدق لهجتهم.
إن من مواهبه سبحانه للإنسان أنه أنار مصباح العقل في كل قرن وزمان ليكون حصنا أمام نفوذ الخرافات والأوهام إلى ذهنه وفكره، وليميز به الإنسان الحق عن الباطل فيما له فيه حق القضاء، وكلامنا هذا لا يعني إلى أن المرجع