وهذا هو الذي يفرض علينا أن لا نصك أذاننا عن صوت العقل ونقف على أن العمود الفقري للعقائد التي يبنى عليها صرح النبوة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) هو اتباع العقل ودلالته، ولذلك نرى أن الكتاب العزيز يتوصل في إثبات هذا الأصل من الأصول بدلالة العقل وإرشاده، فيستدل على أصول التوحيد بقضاء العقل ويتكلم باسم العقل ويقول: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) * (الأنبياء / 22) فيستدل على توحيده ونفي الإله المتعدد بقضية شرطية وهي ترتب الفساد في الكون على تعدد الآلهة.
ويقول سبحانه: * (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) * (المؤمنون / 91).
ويقول سبحانه: * (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * (الإسراء / 42)، فالآيات الثلاث على اختلافها في الإجمال والتفصيل تحتوي برهانا مشرقا خالدا على جبين الدهر.
ويقول سبحانه: * (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون) * (الطور / 35) فيستمد من الفطرة في إبطال وجود الممكن وتحققه بلا علة وصانع.
نرى أتقن البراهين وأوضحها في إبطال ربوبية الأجرام السماوية من خلال مناظرة إبراهيم الخليل (عليه السلام) مع عبدتها فيستدل بالأفول على بطلان ربوبيتها ضمن آيات، قال سبحانه: * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) * (الأنعام / 75 - 79).