وفيه أن الوجه الثالث راجع إلى العمل الصالح، فلا مجال لترتيبه عليه، وعطفه بكلمة " ثم "، والوجهين الأولين إلى وجه واحد، وهو استمرار الإيمان، وثباته عليه إلى موته، وهو مناف لكلمة " اهتدى " الدال على قبول الهداية، الملازم لعدم خروجه عن الضلالة، قبل قبوله الهداية، لأن قبول الهداية مسبوق بالضلالة، واستمرار الإيمان مسبوق بالإيمان الذي هو أساس الهداية، فلا مجال لتفسير أحدهما بالآخر.
وأيضا المتميز بكلمة " ثم " الدالة على التراخي، لعله لأجل التنبيه على تراخي الأمة عن الاهتداء، دون المتعاطفين الآخرين، فإنه لم يكن أمر أشق عليهم من الاهتداء بولاية أهل البيت عليهم السلام كما يظهر لمن كان له أدنى تتبع في حالات الصحابة، وروايات الفريقين.
وقد أسند في غاية المرام إلى أنس بن مالك أنه قال: " رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قادمين من تبوك، فقال لي في بعض الطريق: ألقوا إلي الأحلاس والأقتاب ففعلوا، وصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخطب فحمد الله وأثنى عليه كما هو أهله ثم قال: " معاشر الناس ما لي إذا ذكر آل إبراهيم تهللت وجوهكم، وإذا ذكر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كأنها تفقأ في وجوهكم حب الرمان، فوالذي بعثني بالحق نبيا لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال، ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار ". (1) أقول: ويكفي في بغض آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم تقديم غيرهم عليهم، ومتابعة أمرهم، وتنفيذ أحكامهم، والمراجعة إليهم دون آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما نطقت به الروايات، ووجهه واضح، لأن المحب لا يعرض (2) حبيبه، ومحقق لما حققه،