ابن أبي الحديد في خطبته: (1) " الحمد لله الذي قدم المفضول على الفاضل " لحكمة اقتضتها، فلا مانع حينئذ من القول بتقديم البعيد على القريب، مع وجود ما يقتضيه.
قلت: إنك قد عرفت أن تقديم البعيد على القريب في الخلافة والإمامة مما لا يعقل، لأن القرب بالنسبة إليه تعالى إنما هو في المنزلة، لا في المكان أو النسب وهكذا من أسباب القرب المتطرقة في الممكنات، وتقديم البعيد عنه تعالى منزلة على القريب إليه كذلك في الخلافة والإمامة يوجب انقلاب الموضوع، وصيرورة البعيد قريبا، والقريب بعيدا، وهو خلف محال، مع أنه لو قطعنا النظر عما بيناه من عدم إمكانه في حد نفسه، فالقول بوقوعه ونسبته إليه تعالى شأنه باطل، إذ لو أريد من نسبة تقديم المفضول على الفاضل إليه تعالى شأنه ثبوت النص على تقديم الخلفاء الثلاثة على مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فهو بديهي البطلان، إذ لم يدع أحد منهم وجود النص على خلافتهم، بل استخلاف الأول منهم بالبيعة بزعمهم، والثاني بنصب الأول إياه، والثالث بالشورى التي جعلها الثاني.
وإن قيل إن نسبة التقديم إليه تعالى باعتبار اتفاق الأمة على البيعة معه، الكاشف عن استحقاقه الخلافة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تجتمع أمتي على الخطأ " (2) فهو بديهي البطلان أيضا لعدم انعقاد الاجماع على بيعته طوعا، كما مر لك ذكره.
وإن قيل إنها باعتبار تفويض أمر الخلافة إليهم من قبل مولانا