أحدهما: أن وجوب الطاعة لا يدل على أن الخلافة حق ثابت في الدين، وأن للخلفاء شأنا عنده تعالى، فقال: أو لسنا مأمورين شرعا بطاعة البغاة والعاصين، وتنفيذ أمرهم إذا تغلبوا علينا، وكان في مخالفتهم فتنة تخشى، من غير أن يكون ذلك مستلزما لمشروعية البغي، وجواز الخروج عن الحكومة.
وثانيهما: أنه لا يدل على وجوب نصبه علينا أو وجوده في الخارج، وإنما يدل على حكم هذا الموضوع إذا وجد في الخارج، فقال: أو لسنا مأمورين بإكرام السائلين واحترام الفقراء، فهل يستطيع ذو عقل أن يقول:
ذلك يوجب علينا أن نوجد بيننا فقراء ومساكين.
أقول: أما عدم دلالة الكتاب والسنة على وجوب نصب الإمام علينا فهو حق متين، بل قد عرفت أن تأثير نصب الرعية في ثبوت الإمامة غير معقول، وأما وجوده وأنه تالي الرسول، فدلالة الآيات الكثيرة، والروايات الصحيحة المتظافرة المسلمة بين فرق المسلمين عليه واضحة لائحة، كما مر شطر يسير منها، وسيأتي جملة منها إن شاء الله تعالى.
والحري الآن بيان دفع مناقشته في دلالة آية أولي الأمر، والروايات التي ذكرها سندا ودلالة فأقول:
أما المناقشة في السند فلا مجال لها بعد وجود الروايات في الكتب المعتمدة.
وأما دلالتها على ثبوت الإمامة في الدين - سيما الخبر الثاني - فواضحة ظاهرة، إذ لو لم يكن إمام منصوب من قبله تعالى شأنه ووجبت معرفته والبيعة معه، لم يكن لإطلاق القول، بأن (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) مجال، فإن هذا التعبير كاشف من أن الإمامة من أركان