والبيعة لا تقتضي ثبوت الولاية على المبايعين، لأن مرجع هذه البيعة إن كانت إلى استخلاف أبي بكر عن المسلمين فهي لا تقتضي وجوب طاعته عليهم، ضرورة عدم وجوب طاعة الخليفة على المستخلف، وإن كانت إلى استخلافه عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فليس لهم هذا الاستخلاف لأنه ليس من شؤونهم وجهاتهم.
فإن قلت: للناس الولاية على أنفسهم في الشرع ولذا ينفذ تقريرهم ومعاملاتهم وعهودهم، ومن جملتها البيعة مع واحد منهم، وأي دليل على خروج خصوص البيعة من العهود التي تنفذ عليهم بعد إيجابها على أنفسهم، وإذا نفذت البيعة وجبت الطاعة.
قلت: البيعة بمنزلة القبض والإقباض، فإن كانت عن استحقاق كبيعة الرعية مع من نصبه الله تعالى إماما، وجعله قيما عليهم نفذت ووجبت الطاعة، وإلا ألغيت وبطلت، فالمبايعون مع أبي بكر إن أرادوا منها عقد الاستخلاف، فقد ظهر بطلانه، وإن أرادوا مجرد عقد البيعة من دون استخلاف ونحوه فبطلانه أوضح وأظهر، لأن البيعة المجردة من دون عنوان لا توجب الطاعة.
بل التحقيق أن نفوذ البيعة مسبوق بوجوب الطاعة دائما، لا أنه من أحكام البيعة كما توهم، ضرورة أن البيعة مع من لا يستحقها لا توجب الطاعة، ووجوب الطاعة - مع البيعة مع من يستحقها سابق على البيعة، ونفوذها حينئذ إنما هو من آثار وجوب الطاعة.
فإن قلت: لعله فوض إليهم تعيين الإمام والخليفة من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينفذ أمرهم فيه من جهة التفويض، لا من جهة ولايتهم على أنفسهم، كما فوض أحيانا تعيين إمارة الجيش إلى المسلمين بعد قتل الأمير المنصوب.