ليعلم المخاطب من الغائب، ولا موضع لها من الإعراب، فهي كالكاف في ذلك وأرأيتك، وكالألف والنون التي في أنت، فتكون إيا الاسم وما بعدها للخطاب، وقد صارا كالشئ الواحد لأن الأسماء المبهمة وسائر المكنيات لا تضاف لأنها معارف.
وقال بعض النحويين: إن إيا مضاف إلى ما بعده، واستدل على ذلك بقولهم: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب، فأضافوها إلى الشواب وخفضوها.
وقال ابن كيسان: الكاف والهاء والياء والنون هي الأسماء، وإيا عماد لها، لأنها لا تقوم بأنفسها كالكاف والهاء والياء في التأخير في يضربك ويضربه ويضربني، فلما قدمت الكاف والهاء والياء عمدت بإيا، فصار كله كالشئ الواحد، ولك أن تقول ضربت إياي لأنه يصح أن تقول ضربتني ولا يجوز (1) أن تقول ضربت إياك، لأنك إنما تحتاج إلى إياك إذا لم يمكنك اللفظ بالكاف، فإذا وصلت إلى الكاف تركتها، ويجوز أن تقول ضربتك إياك لأن الكاف اعتمد بها على الفعل، فإذا أعدتها احتجت إلى إيا؛ وأما قول الشاعر، وهو ذو الأصبع العدواني:
* كأنا يوم قرى إنما نقتل إيانا * * قتلنا منهم كل * * فتى أبيض حسانا (2) * فإنه إنما فصلها من الفعل لأن العرب. لا توقع فعل الفاعل على نفسه باتصال الكناية، لا تقول قتلتني، إنما تقول قتلت نفسي، كما تقول ظلمت نفسي فاغفر لي، ولم تقل ظلمتني، فأجرى إيانا مجرى أنفسنا، انتهى كلام الجوهري.
قال ابن بري عند قول الجوهري: ولك أن تقول ضربت إياي إلى آخره؛ صوابه أن تقول ضربت إياي لأنه لا يجوز أن يقال ضربتني.
وتبدل همزته هاء كأراق وهراق تقول هياك، قال الجوهري؛ وأنشد الأخفش:
فهياك والأمر الذي إن توسعت * موارد ضاقت عليك مصادره (3) وفي المحكم: ضاقت عليك المصادر، والبيت لمضرس.
وقال آخر:
يا خال هلا قلت إذ أعطيتني * هياك هياك وحنواء العنق وتبدل تارة (4) واوا، تقول وياك.
وقد اختلف النحويون في إياك، فقال الخليل بن أحمد: أيا اسم مضمر مضاف إلى الكاف. وحكي عن المازني مثل ذلك.
قال أبو علي: وحكى أبو بكر عن أبي العباس عن أبي الحسن الأخفش أنه: اسم مفرد (5) مضمر يتغير آخره كما يتغير آخر (6) المضمرات لاختلاف أعداد المضمرين، وأن الكاف في إياك كالتي في ذلك في أنه دلالة على الخطاب فقط مجردة من كونها علامة المضمر.
وحكى سيبويه عن الخليل أنه قال: لو قال قائل إياك نفسك لم أعنفه لأن هذه الكلمة مجرورة. وقال بعضهم: إيا اسم مبهم يكنى به عن المنصوب، وجعلت الكاف والهاء والياء بيانا عن المقصود ليعلم المخاطب من الغائب، ولا موضع لها من الإعراب وهذا بعينه مذهب الأخفش.
قال الأزهري: وقوله اسم مبهم يكنى به عن المنصوب يدل على أنه لا اشتقاق له.
وقال أبو إسحق: الكاف في إياك في موضع جر بإضافة إيا إليها، إلا أنه ظاهر يضاف إلى سائر