قال أبو الهيثم فيما رد به على شمر: الذي قال شمر في وفى وأوفى باطل لا معنى له إنما يقال أوفيت بالعهد ووفيت بالعهد. وكل شيء في كتاب الله يقال من هذا فهو بالألف، قال الله تعالى: [أوفوا بالعقود] (1)، (أوفوا بعهدي) (2) ويقال: وفى الشيء ووفى الكيل، أي تم، ووافيته (3) أنا أي أتممته، قال الله: (أوفوا الكيل) (4)، انتهى.
ووفى الشيء وفيا، كصلي: أي تم وكثر؛ نقله الجوهري؛ فهو وفي وواف بمعنى واحد، وفي الصحاح الوفي: الوافي، انتهى.
وكل شيء بلغ تمام الكمال فقد وفى وتم ومنه وفى الدرهم المثقال إذا عدله فهو واف.
قال شيخنا: وفي لحن العوام لأبي بكر الزبيدي أنهم يقولون درهم واف للزائد وزنه، وإنما هو الذي لا يزيد ولا ينقص، وهو الذي وفى بزنته، أي فلا يقال: وفى أي كثر وزاد؛ وقد يقال إنه يصدق على الزائد أنه وفى بزنته؛ فتأمل.
وأوفى عليه: أشرف واطلع؛ ومنه حديث كعب بن مالك: أوفى على سلع.
وأوفى فلانا حقه: إذا أعطاه وافيا، كوفاه توفية؛ نقله الجوهري.
وقال غيره: أي أكمله؛ ووافاه موافاة كذلك؛ وقد جاء فاعلت بمعنى أفعلت وفعلت في حروف بمعنى واحد؛ تعاهدت الشيء وتعهدته وباعدته وأبعدته، وقاربت الصبي وقربته، وهو يعاطيني الشيء ويعطيني؛ ومنه الموافاة التي يكتبها كتاب دواوين الخراج في حساباتهم (5)؛ فاستوفاه وتوفاه، أي لم يدع منه شيئا، فهما مطاوعان لأوفاه ووفاه ووافاه.
ومن المجاز: أدركته الوفاة: أي الموت والمنية.
وتوفي فلان: إذا مات.
وتوفاه الله، عز وجل: إذا قبض نفسه؛ وفي الصحاح، روحه.
وقال غيره: توفي الميت استيفاء مدته التي وفيت له وعدد أيامه وشهوره وأعوامه في الدنيا؛ ومنه قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) (6)، أي يستوفي مدد آجالهم في الدنيا، وقيل: يستوفي تمام عددهم إلى يوم القيامة.
وأما توفي النائم فهو استيفاء وقت عقله وتميزه إلى أن نام.
وقال الزجاج في قوله تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت) (7)، قال: هو من توفية العدد، تأويله أي يقبض أرواحكم أجمعين فلا ينقص واحد منكم، كما تقول: قد استوفيت من فلان وتوفيت منه مالي عليه، تأويله أي لم يبق عليه شيء.
وقوله تعالى: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم) (8)؛ قال الزجاج: فيه، والله أعلم، وجهان: يكون حتى إذا جاءتهم ملائكة الموت يتوفونهم سألوهم عند المعاينة فيعترفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين، لأنهم قالوا لهم: (أينما كنتم تدعون من دون الله) (3)؟ قالوا: ضلوا عنا أي بطلوا وذهبوا، ويجوز أن يكون، والله أعلم، حتى إذا جاءتهم ملائكة العذاب يتوفونهم، فيكون يتوفونهم في هذا الموضع على ضربين: أحدهما يتوفونهم عذابا وهذا كما تقول: قد قتلت فلانا بالعذاب وإن لم يمت، ودليل هذا القول قوله تعالى: (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو (9) بميت)، قال: ويجوز أن يكون يتوفون عدتهم، وهو أضعف الوجهين؛ والله أعلم.
ومن المجاز: وافيت العام: أي حججت؛ نقله الزمخشري.
صارت الموافاة عندهم اسما للحج كما قالوا نزلت أي أتيت مني؛ قاله الصاغاني.