ومهما يكن من أمر فقد تعصب كل فريق إلى بلده وتنابزوا، وعير أهل المدينة بسماع الغناء، وأهل مكة بالمتعة، وأهل الكوفة بالنبيذ، واستندت عصبية كل قوم لبلادهم، وحملتهم عصبيتهم على وضع الأخبار في مدح قومه وبلده وذم مقابله، وعظم الانشقاق بين الطائفتين: أصحاب الرأي والقياس وأصحاب الحديث، وبالطبع إن الكوفة تضعف عن مقابلة الحجاز، ولكن السياسة الزمنية اقتضت أن تكون إلى جانب أهل الرأي، لا حبا لهم، ولكن بغضا لأهل الحديث أهل المدينة، وأصبح لكل جانب أنصار ومتعصبون.
وقد طغت موجة التعصب بين المذاهب السنية حتى أصبح التكتم بالمذهب لازما. يقول أبو بكر محمد بن عبد الباقي المتوفى سنة 535 ه وكان حنبليا:
إحفظ لسانك لا تبح بثلاثة * سن ومال ما استطعت ومذهب فعلى الثلاثة تبتلي بثلاثة * بمكفر وبحاسد ومكذب ويعطينا الزمخشري صورة واضحة من صور الخلاف وشدة التطاحن بين المذاهب وطعن البعض على البعض بقوله:
إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به * وأكتمه كتمانه لي أسلم فإن حنفيا قلت قالوا بأنني * أبيح الطلى وهو الشراب المحرم وإن شافعيا قلت قالوا بأنني * أبيح نكاح البنت والبنت تحرم وإن مالكيا قلت قالوا بأنني * أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم وإن قلت من أهل الحديث وحزبه * يقولون تيس ليس يدري ويفهم (1)