وهناك فيلسوف يوناني آخر عاصر أبيقور وكان له رأي مخالف لرأي معاصره، وهو ديوجين الفيلسوف ومن مذهبه أن التكامل البشري ووصول الإنسان إلى الزمن الثابت الأبدي، وبالتالي إلى الآلهة، يتطلبان ترك الدنيا وملذاتها والاكتفاء بالقدر الضروري والقليل من وسائل العيش. وقد روي أنه شاهد طفلا يشرب الماء بكفيه مستغنيا عن الكأس الوحيدة المتاحة للشرب، فقال إن زخارف الدنيا تحول دون الالتحاق بالآلهة.
ونلاحظ أن هناك وجها مشتركا في العرفان بين فلسفة اليونان والعرفان الشرقي، يتمثل في أن الطريق إلى الله يمر بكبح جماح النفس والنأي عن الملذات.
ولا فرق من هذه الناحية بين فكر اليونان القديم وفكر الشرق القديم، اللهم إلا في حدود هذا الامتناع ومداه.
وكان من رأي بعض فلاسفة اليونان، ومنهم ديوجين، أن احتفاظ الطالب العارف بأكثر من قميص واحد يستر العورة أمر لا يجوز، وهو يقف حائلا بينه وبين الوصول إلى الآلهة. ومثل هذه الفكرة نجدها في الشرق، ينادي بها العرفاء والصوفية. فمن أين جاء هذا التشابه أو اللقاء بين الفكرين؟
معروف أن الشرق لم يلتق باليونان قبل قيام دارا ملك الفرس الأخميني (الهخامنشي) في عام 460 ق. م. بالهجوم على اليونان. فهل حدث اللقاء بين الفكرين اليوناني والشرقي منذ هذا التأريخ؟ وهل انتقلت فكرة الجهاد مع النفس للوصول إلى الآلهة من الشرق إلى اليونان، أو عكس ذلك؟
الواقع إننا لا نجد أثرا لهذه الفكرة لا في التعاليم الأصلية لكونفوشيوس في الصين، ولا في تعاليم بوذا في الهند، ولا في تعاليم زردشت في فارس.
فلم يدع أحد منهم إلى قتل النفس للوصول إلى مرتبة الآلهة. ولكن هذه الفكرة