انتشرت في الشرق وفي اليونان دون أن تكون بينهما علاقات ثقافية أو روابط أخرى. فهل لنا أن نستخلص من هذا أن فكرة الجهاد مع النفس وترك الملذات للوصول إلى الله أو السعادة الأبدية قد وجدت وتبلورت عند الشعوب الفقيرة الكادحة التي لا تجد ما يكفيها لسد احتياجاتها؟ ولو أن العرفاء والمتفلسفين في مناطق العالم المختلفة كانوا من طبقة الأغنياء أو السراة، فهل كانوا يشترون بطريق آخر للوصول إلى الله أو الآلهة؟
هذا التساؤل لا يعني طبعا أن التأريخ قد خلا من أغنياء أو أصحاب جاه تركوا ملذات الدنيا ونبذوا أهواء النفس لكي يصلوا إلى هذه الغاية، ولا يعني أن فكرة مجاهدة النفس كانت خاصة بالفقراء والمعدمين وحدهم.
ونعود إلى فكرة الزمن، فنقول إن الدور قد جاء على حكماء أوروبا وفلاسفتها في القرون المتأخرة ليدلوا بآرائهم في هذه القضية، فمنهم من أنكر وجود الزمن إنكارا باتا حتى في القرن التاسع عشر الميلادي قائلين إن الموجود هو المكان. ومنهم من أنكر المكان قائلا إنه يوجد تابعا للمادة، ولا وجود له في حد ذاته، وحيثما وجدت المادة وجد المكان، وإلا فلا.
وكان الناس في سوادهم يرون في هذا القول إنكارا للمشاهدات المحسوسة، فهم يشاهدون في حياتهم اليومية الغرفة التي يعيشون فيها أو ينامون، وهي ذات عرض وطول وارتفاع. فكيف يسوغ إنكار هذه الحقيقة المادية الملموسة المتجلية بأوضح صورها في المأوى اليومي؟
كما كانت في القرن الماضي مجموعة من العلماء تنكر وجود المكان، ومن مؤدى نظريتهم أن المكان بلا وجود أو حقيقة، وإن ما تحسبه العين مكانا ذا أبعاد أربعة إن هو إلا المادة، والمادة هي التي تخلق المكان، أي بعبارة أخرى،