الأئمة (عليهم السلام) طبيعة تختلف عن طبيعة البشر أو تسمو بأجسامهم على الطبيعة البشرية، ومع أنه لم يغال في إيراد صفاتهم المعنوية، كل ذلك لم يحل دون ظهور فرق دينية وصوفية بين الشيعة منذ القرن الثالث الهجري، وكل واحدة منها تتعصب لرأيها وتناوئ غيرها من الفرق وكأنها تنتمي إلى مذهب مستقل.
ولئن كان العرفان دعامة من الدعائم الأربع التي تقوم عليها المعارف الجعفرية، فإن عرفان الصادق (عليه السلام) كان يلتزم حدود الاعتدال، يتوخى معرفة الدين على الوجه الصحيح والمذهب النقي كذلك وتبصير الناس بحدودهم ومهامهم.
ولكن الصادق (عليه السلام) لم يكن يريد للعرفان أن يصبح مذهبا شائعا مستقلا عن الدين.
ومع ذلك، أخذت المذاهب والفرق الشيعية تتكاثر وتتشعب منذ القرن الثالث للهجرة، وغالى بعضها غلوا شديدا حتى قال بوحدة الوجود، أي وحدة الخالق والمخلوق، وهو ما يعتبر شركا وكفرا في عقيدة الشيعة (1).
والذي يعنينا من هذه الظاهرة، أن حرية البحث والكتابة كانت منهاجا مرعيا من أتباع الإمام الصادق (عليه السلام)، ولم يتعرض أحد لإيذاء أو عقوبة لأنه أبدى رأيا خالف به أيا من الآراء والنظريات التي كانت سائدة في هذه المدرسة، سواء أكانت دينية أم علمية أم فلسفية.
لقد كان تلامذة الصادق (عليه السلام) يطرحون عليه الأسئلة، وينتقدون هذا الرأي أو ذاك، ويعارضون ما يساق في المدرسة من حجج، وكان يتقبل ذلك منهم برحابة صدر وبشاشة وجه، وفي كتب الحديث والسيرة سجل واف لما جرى بين الإمام