في عصره أو في العصور التي تلته عندما تشعب العرفان وأصبحت له مدارس وفرق متعددة.
تميز عرفان الصادق (عليه السلام) عند ظهوره بالتوحيد، وسيظل هذا ديدنه نابذا الثنائية والتثليث، تاركا الغلو والسرف في تعريف صفات الخالق أو المخلوق كما حدث للعرفان الإسلامي أحيانا في أدوار متأخرة، كما ينفي وحدة الوجود المتاه الذي وقع فيه كثير من الصوفية والعرفاء.
وسنرى في ما بعد أن الغلو قد دفع ببعض المشايخ والعرفاء إلى الانحراف، ففاه بعضهم بعبارات وأقوال انبعث منها الشرك والكفر، حتى انفض عنهم كثير من أنصارهم وأتباعهم، أو هم قد وقعوا في شطحات وطامات كبرى (1) انتهت ببعضهم إلى القول: " سبحاني سبحاني ما أعظم شأني، ليس في جبتي سوى الله " (2)، ولهذا رأينا أن العلامة الزمخشري ينفر منهم وينتقدهم - أي الطبقة المغالية - ولكن عرفان الصادق (عليه السلام) كان بعيدا عن المبالغات والترهات، وكان مبنيا على أساس توحيدي في تنزيه الخالق عن صفات المخلوق، والمخلوق عن الخالق، ولهذا تبعته الشيعة بأسرها وكثير من أهل السنة أيضا.
يرتكز العرفان عند الصادق (عليه السلام) على التوكل على الله تعالى وتنفيذ أحكامه وأوامره، والامتثال لنواهيه دون إهمال شؤون الدنيا أو تركها لئلا تضطرب الحياة اليومية وتفقد صفاءها وسعادتها، فهو لا يوصي بترك الدنيا للوصول إلى السعادة بل يرى أن السعادة هي في التوكل على الله والتقوى، وتقبل حظوظ الدنيا