عده من طلائع العرفاء وزعمائهم.
وكان العطار النيسابوري صاحب " تذكرة الأولياء " يرى بدوره أن الصادق (عليه السلام) رائد للعرفاء، ولكن شتان بين ما سجله الزمخشري وهو عالم مدقق، وبين ما أورده العطار، وهو صوفي جماعة، يجمع بدافع من المحبة كل ما سمع وقرأ، ومؤلفه يثبت أنه كان مغرما ومتيما بحب العرفاء والصوفية العظام، فهو يكتب عنهم بعين الرضا والقبول، وبالمغالاة أحيانا، ولولا حبه هنا لما وقع في هفوات.
ويمكن القول إن القلم في يد الزمخشري يتحكم فيه العقل والدقة، أما القلم في يد العطار فيتحكم فيه الحب والعشق، وأيا كان الأمر، فالصادق (عليه السلام) يعد في تأريخ العلوم الإسلامية من مؤسسي علم العرفان الواقعي.
ولا شك في أن دروسه في العرفان كان يحضرها عدد من غير المسلمين، فقد قيل إن نفرا من الصابئة (1) قرأوا عليه، والصابئة بآرائهم الدينية هم وسط بين المسيحية واليهود، وكانوا يعدون من الموحدين في الإسلام، وكان بعضهم يتظاهر بالإسلام دفاعا عن النفس أو حرصا على المال، وكان مركزهم (حران) غرب بلاد ما بين النهرين (العراق)، وكان هذا المركز يسمى قديما عند الأوروبيين ب (كارة)، ومن عادات الصابئة تعميد الطفل بعد ولادته وتسميته. جاء في دائرة المعارف الإسلامية (2): إن كلمة صابئي مأخوذة من صب الماء وغسله، لأن الصابئة تغسل الطفل بعد الولادة بتعميده في الماء، وكانت الصابئة تقول بنبوة يحيى المعمدان