بعد الموت؟ فأصبح الهدف الأساسي عند كثير من العرفاء هو الوصول إلى الملكوت الأعلى أو إلى المراتب الإلهية، أو إن شئت فقل المكانة الإلهية.
ولكن الصادق (عليه السلام) لم يقل إن الإنسان سيصل إلى مرتبة الإله في هذه الدنيا أو في غيرها، وكان في تفكيره هذا مستندا إلى أصلين:
أولهما: الاعتقاد بحياة الإنسان بعد الموت.
ثانيهما: اشتراك الوجود لا وحدة الوجود.
ونظرية وحدة الوجود التي تعتبر أهم عنصر وأقوى أساس يستند إليه التفكير العرفاني والصوفي، لها جذورها في الشرق، وتنبع من عرفان الهند وفارس، ومنهما انتقلت إلى أوروبا بعدئذ، ولكن جعفرا الصادق (عليه السلام) لم يقل بوحدة الوجود أبدا، وكان يرى أن الإنسان المخلوق، هو شيء، والخالق (الله سبحانه) شيء آخر.
أما القائلون بوحدة الوجود فلم يعينوا حدا فاصلا بين وجود الإنسان وغيره من الموجودات وبين وجود الله، وفي زعمهم أن الوجود يشبه الشمس التي أطلقت ضوءها من خلال زجاج ملون فانعكس بألوان شتى، فلئن اختلفت ألوان ضوء الشمس، فكلها صادرة من منبع واحد، وفي زعمهم أيضا أن الموت لا يعدو أن يكون رجعة إلى الأصل، كماء المطر أو قطر الندى إذ يلتحق بالبحر، وهو منه.
وفي ختام هذا البحث نقدم نماذج من أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) العرفانية للاستدلال على وحدانية تفكيره (عليه السلام) العرفاني وعمق أصالة العبودية للواحد القهار سبحانه وتعالى.
هذا يسير من كثير ومن يرد المزيد فليراجع بحار الأنوار، الجزءين 67 و 75، وكتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام).